للمرة العشرين نجد أنفسنا مرغمين على أن نتحدث عن الانفلات، الذى أصبح هو الصفة السائدة، وأصبح ظاهرة لا يعلم إلا الله وحده متى تنتهى، وعندما نتحدث عن الإنفلات فنحن نستعرض جميع صوره.
واليوم نقف عند حدث وقفنا جميعاً أمامه مذهولين، لا ندرى ما يحدث وماذا نفعل، وربما يكون الانفلات هذه المرة صادراً عن مجموعة من جماهير نادى الترجى الذين قيل إنهم مخمورون، ولكن ما حدث من الشرطة المصرية اعتبره كثيرون سلبية وتقاعس، ولكن عندما نقف بعد أحداث المباراة وبعد استعراض موقف الحكومة والإعلام التونسى، نجد أن الشرطة المصرية كانت على حق وربما دائماً نختلف معهم، وحتى إذا اتفقنا معهم يكون ذلك من باب الخوف وعدم الصدام معهم.
تعال نعد ما حدث ولكن بسيناريو آخر، وهو أن الشرطة اقتحمت مدرج التوانسة وأوسعتهم ضرباً وركلاً، بالطبع تكون هناك مجزرة، وفى النهاية نحن المسؤولون عنها، ربما يكون الخطأ الوحيد الذى نحمله للشرطة فى هذا اليوم كمية الصواريخ والعصى وخلافه من أدوات العنف التى حملتها بعض جماهير الترجى، وهناك سيناريو آخر كان يمكن أن يحدث وهو أن تترك الشرطة المصرية المجال تماماً لجماهير النادى الأهلى الغاضبة الثائرة لما حدث من ضرب بوحشية لإثنين من أبنائنا.
من المؤكد أن الشرطة لو تركت جماهير الأهلى تهجم على جماهير الترجى لكان هناك المئات من القتلى ولحدث ما كنا جميعاً نرفضه ونخاف منه.
إن ضبط النفس والقدرة على اتخاذ القرار السريع فى مثل هذه الظروف يجب أن نقف تقديراً أمام من اتخذهما، لأنه استطاع منع كارثة، وربما كانت تؤدى إلى قطع العلاقات مع تونس الخضراء لسنين طويلة وجفاء لا يعلم غير الله متى كان ينتهى.
ونحن هنا حينما نستعرض ما حدث، يجب أن نقف أيضاً وقفتين، الوقفة الأولى ما حدث من ومع علاء صادق الإعلامى بالتليفزيون المصرى، الذى تمت التضحية به وأطيح به خارج أسوار التليفزيون لأنه تجاوز وأساء إلى وزارة الداخلية ومسؤوليها، ونحن هنا لا نحاسبه أو نحاسب من عاقبه، ولكن هل العقاب كان مساوياً للعمل، أم أن ما حدث هو بداية انطلاقة انضباطية للإعلام المصرى المنفلت، الذى أساء ويسىء إلينا كثيراً خاصة الانفلات فى برامجه المتعددة فى رمضان، والخروج على النص من كثيرين،
أنا لست مع تقييد الحريات ولست مع منع الرأى الحر، ولكننى وأعتقد نحن جميعاً زهقنا من تاكسيات الفضائيات، ومن الملايين التى تغدق على من يتعمد الإساءة والسب للآخرين، نحن جميعاً قرفنا من استضافة شخصيات أصبحت كريهة للجميع، ولكن الفضائيات المتخلفة إعلامياً تستضيف هذه الشخصيات لمجرد الإثارة والصوت العالى والتراشق لجذب المشاهدين، لقد سممت أفكارنا، واحولت أعيننا من برامج تافهة رخيصة، لا تفيد المشاهدين فى شىء، بل أحياناً تدعو شبابنا إلى التخلف والخروج على النص.
والوقفة الثانية التى يجب أن نستعرضها معاً هى أن موقف الإعلام والحكومة التونسية، موقف مسؤول ينم عن وعى وفكر عاليين، وتقدير لجميع أبعاد المشكلة كان من السهل أن يهب إعلامى أو نصف إعلامى تونسى ويقف ويصرخ ويستنكر ما حدث من مصر تجاه المتهمين التونسيين، ولكن على العكس وقف الإعلام التونسى بأكمله سواء موجهاً أو غير موجه ضد التصرفات الطائشة لشرذمة من جماهير الترجى التونسى، وهى وقفة يجب أن يتعلم منها إعلامنا المنفلت فى كثير من الأحيان.